يمتد شارع الاستقلال في اسطنبول بين ميدان تقسيم و ميناء كاراكوي بطول ثلاثة كيلومترات و ترتصف المحال التجارية على جانبي الطريق ومن خلف المحال تطل الكنائس المسيحية وقباب ومآذن المساجد .
ولقد تم تسمية الشارع بشارع الاستقلال نسبة لذكرى استقلال تركيا بعد الحرب العالمية الأولى واعلان الجمهورية التركية في عام 1923 ميلادي ، وفي العهد العثماني حمل الشارع لقب الشارع العربي بسبب المجالس والمنتديات الثقافية والفكرية التي كان يفتتحونها الشباب العربي .
وحسب المؤرخون بدأ الشارع يأخذ مكانته الاستراتيجية بداية من القرن السادس عشر الميلادي ، حيث افتتح السلطان بايزيد الثاني البيوت الصوفية ، مما أدى إلى ازدياد عدد السكان الذين يرتادون البيوت الصوفية ، وقد لفتت حركة السكان الكبيرة فيه التجار الأوروبيين الذين افتتحوا محلاتهم وشركاتهم التجارية فيه ، وقد اصبح شارع الاستقلال وجهة الباحثين عن البضائع الأجنبية و نموذج الحياة الأوروبي ايضا ، مما زاد في عدد التجار الأوروبين والزبائن المحليين .
وقد أدى هذا التضخم والتوسع إلى اقامة الدول سفاراتها في هذا الشارع مثل السفارة البريطانية واليونانية والألمانية ، كما التحق رجال الدين بالتجار، فافتتحوا الكنس الكبيرة، مثل كنيسة سان لويس الفرنسية وكنيسة سان أنتونيو الإيطالية وغيرهما.
وقد اصبح الشارع وجهة استثمار دولي ، حيث سارعت الشركات والحكومة إلى افتتاح ميناء كاراكوي ومد خط للسكة الحديدية في عام 1883 ميلادي ، الذي يُعد الميترو الثاني في العالم بعد ميترو لندن ، وهذا الخط مازال يعمل إلى يومنا هذا .
وقد كان ركاب القطار من الُرياء والطبقة المخملية والمشاهير ، ومنهم الروائية أجاثا كريستي التي كتبت الكثير من الروايات البوليسية في فنادق شارع الاستقلال .
وفي ذلك الوقت اطلق الفرنسيين اسم شارع الجنة ، بينما الأتراك سموه الشارع الكبير وقد أطلقوا على قطاره اسم قطار الشرق .
حافظ شارع الاستقلال على مكانته مع تطور مدينة إسطنبول وازداد إقبال الزوار عليه ، فأصبح المكان المفضل للاستثمارات الفندقية بإسطنبول ، وبات اليوم يضم نصف الغرف الفندقية في المدينة ، وتنتشر في الشارع اليوم محال لأرقى العلامات التجارية العالمية، التي تبيع العطور والملابس والزينة، كما يضم المكتبات ودور السينما والمصارف والمقاهي والمطاعم، التي تقدم الأطعمة التركية والغربية على السواء.
وكانت الشركة الدولية للاستشارات العقارية “كوشمان آند ويكفيلد” قد أعلنت مطلع العام الجاري أن أسعار إيجارات المحال في شارع الاستقلال الشهير قد ارتفعت في 2014 بنسبة 27%، ليصبح ثاني أغلى شارع في العالم.
ورغم أنه بات مقصدا للكثير من السياح الأجانب والزوار الأتراك على السواء، فإن أغلب الزوار يبدون اهتمامهم بالتجول في الشارع والاستمتاع بالسير بين الناس أكثر من الاهتمام بتاريخه والاطلاع على تمازج أشكال الثقافات فيه.
لكن الشارع -الذي ظل منذ ذلك الوقت عنوانا لهوية تركيا العلمانية- ما زال يقدم نموذجا لتعايش الدين والمال والسياسة كاحتياجات مادية وروحية، لا تستغني عن مزيجها أي حضارة.